حكم من يعتقد أن غير الله يهب الذرية والولد

١/ (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) [الشورى: 49، 50].
٢/ (كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا)
[مريم ١- ٧]
٣/ ﴿ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38].
٤/ (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) [الأنبياء ٦٩]
٥/ من اعتقد أن الولد من عطاء غير الله ، أو أن أحدا سوى الله يزيد في الرزق وينقص منه ، فهو مشرك شركا أشد من شرك العرب وغيرهم في الجاهلية , فإن العرب ونحوهم كانوا في جاهليتهم إذا سئلوا عمن يرزقهم من السماء والأرض ، وعمن يخرج الحي من الميت ، ويخرج الميت من الحي , قالوا : الله , وإنما عبدوا آلهتهم الباطلة لزعمهم أنها تقربهم إلى الله زلفى , قال الله تعالى : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ) يونس/31 ، وقال : ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) الزمر/3 وقال : ( أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ) الملك/21
وثبت في السنة أن العطاء والمنع إلى الله وحده , فمن ذلك ما رواه البخاري ( 844) ، ومسلم ( 593) عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , وهو على كل شيء قدير , اللهم لا مانع لما أعطيت , ولا معطي لما منعت , ولا ينفع ذا الجد منك الجد "
لكن قد يعطي الله عبده ذرية ويوسع له في رزقه بدعائه إياه ولجئه إليه وحده كما هو واضح في سورة إبراهيم من دعاء إبراهيم الخليل ربه وإجابة الله دعاءه , وفي سورة مريم والأنبياء وغيرهما من دعاء زكريا ربه وإجابته دعاءه , وكما ثبت عن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله , فليصل رحمه " رواه البخاري( 2067 ) ومسلم ( 2557)
[الشيخ محمد صالح المنجد]
رد على شبهة الصوفية على أن أئمتهم أيضا يهبون الولد ويستدلون بهذه الآية : (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) [مريم ١٩]
رد الشبهة :
أقوال علماء التفسير في هذه الآية :
١ / قال ابن جرير الطبري :
( لأهَبَ لَكِ ) بمعنى: إنما أنا رسول ربك: يقول: أرسلني إليك لأهب لك ( غُلامًا زَكِيًّا ) على الحكاية ، وقرأ ذلك أبو عمرو بن العلاء ( ليهب لك غلامًا زكيا ) بمعنى: إنما أنا رسول ربك أرسلني إليك ليهب الله لك غلاما زكيا.
فأقول : وَمَنْ الذي أرسل شيوخ الصوفية ياترى ؟!
٢/ قال ابن كثير :
وقال : " إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا " .
هكذا قرأ أبو عمرو بن العلاء أحد مشهوري القراء .
٣/ قال عبد الرحمن السعدي :
فلما رأى جبريل منها الروع والخيفة، قال: { إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ْ} أي: إنما وظيفتي وشغلي، تنفيذ رسالة ربي فيك { لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ْ} وهذه بشارة عظيمة بالولد وزكائه، فإن الزكاء يستلزم تطهيره من الخصال الذميمة، واتصافه بالخصال الحميدة
٤/ قال البغوي :
( قال ) لها جبريل : ( إنما أنا رسول ربك لأهب لك ) قرأ نافع وأهل البصرة : " ليهب لك " بالياء ، أي : ليهب لك ربك ، وقرأ الآخرون : " لأهب لك " أسند الفعل إلى الرسول ، وإن كانت الهبة من الله تعالى ، لأنه أرسل به .
( غلاما زكيا ) ولدا صالحا طاهرا من الذنوب .
٥ / تفسير الوسيط لطنطاوي :
وهنا يجيبها جبريل- كما حكى القرآن عنه- بقوله: قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا أى: قال لها جبريل ليدخل السكون والاطمئنان على قلبها: إنما أنا يا مريم رسول ربك الذي استعذت به، والتجأت إليه، فلا تخافي ولا تجزعي وقد أرسلنى- سبحانه- إليك، لأهب لك بإذنه وقدرته غلاما زكيا، أى: ولدا طاهرا من الذنوب والمعاصي، كثير الخير والبركات.
ونسب الهبة لنفسه، لكونه سببا فيها. وقرأ نافع وأبو عمرو: ليهب لك بالياء المفتوحة بعد اللام أى: ليهب لك ربك غلاما زكيا.