٩/ شبهة توسل الرجل الأعمى بالنبي صلى الله عليه وسلم

٩/ شبهة توسل الرجل الأعمى بالنبي صلى الله عليه وسلم : 
ونصه : حديث الضرير الذي أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أدع الله أن يعافيني ، قال : إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير لك وفي رواية : (وإن شئت صبرت فهو خير لك) فقال أدعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة يامحمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي اللهم فشفعه فيَّ شفعني فيه" قال : ففعل الرجل فبرأ [رواه أحمد في المسند ٤/١٣٨ . ورواه الترمزي ٤/ ٢٧١ - ٢٨٢ . وابن ماجه ٤/ ٤١٧ . وغيرهم]
رد الشبهة :
"اللهم شفعه فيا وشفعني فيه" قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله : " فهذا توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال "وشفعه فيا" فسأل الله أن يقبل شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وهو دعاؤه
ومعناه أي اللهم اقبل دعائي واقبل دعائه لي
و هذا ليس فيه إشكال لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حيا وموجودا ولا بأس أن يأتي الرجل لأي إنسان يطلب منه أن يدعو له .لذلك خيره النبي صلى الله عليه وسلم بين إثنين فقال له إن شئت دعوت لك وإن شئت صبرت ولك الجنة فقال الأعمى أدع يارسول الله
تنبيه : وفي هذا الحديث رواية واحدة فقط رواه الأمام أحمد في المسند والترمزي في السنن والبهيقي في الشعب والطبراني في الكبير كلهم رووه بهذه الطريقة
وهذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وسلك ودعائه المستجاب فإنه صلى الله عليه وسلم ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره .. قال البهيقي : رويناه في كتاب الدعوات بإسناد صحيح [

● شبهة الزيادة الأولى لحديث الأعمى :
زيادة حماد بن سلمة قال حدثنا أبو جعفر الخطمي فساق إسناده من رواية شعبة وزاد في آخره : "وإن كانت لك حاجة فافعل مثل ذلك" [رواه أبوبكر بن أبي خيثمة في تاريخه فقال حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا حماد بن سلمة به] قال الشيخ الألباني رحمه الله : وقد أعل هذه الزيادة شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة" بتفرد حماد بن سلمة بها ومخالفته لرواية شعبة وهو أجل من روى هذا الحديث وهذا إعلال يتفق مع القواعد الحديثية ولا يخالفها البتة .
وقول الغماري في [المصباح ص٣٠] : بأن حماداً ثقةٌ من رجال الصحيح وزيادة الثقة مقبولة ، غفلة منه أو تغافل عما تقرر في المصطلح أن القبول مشروط بما إذا لم يخالف الراوي من هو أوثق منه
قال الحافظ ابن حجر في نخبة الفكر : والزيادة مقبولة مالم تقع منافية لمن هو أوثق منه فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ ومقابله الشاذ ..
وخلاصة القول : إن الزيادة لا تصح لشذوذها ولو صحت لم تكن دليلا على جواز التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم لإحتمال أن يكون قوله "فافعل مثل ذلك" يعني من إتيانه صلى الله عليه وسلم في حال حياته وطلب الدعاء منه والتوسل به والتوضؤ والصلاة والدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو به والله أعلم [كتاب التوسل للألباني]
● شبهة الزيادة الثانية لحديث الأعمى :  
أخرجها الطبراني في [المعجم الصغير ص ١٠٣ - ١٠٤ وفي المعجم الكبير ٢/٣/ ١ -٢] من طريق عبدالله بن وهب عن شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه (يختلف: أي يجيء ويمشي) في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف إيتِ الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصلي فيه ركعتين ثم قل "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يامحمد إني أتوجه بك إلى ربي عز وجل فتقضي لي حاجتي" وتذكر حاجتك فانطلق الرجل فصنع ماقال له ثم أتى باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان فأجلسه معه على الطُمفسة وقال ماحاجتك ؟! فذكر حاجته فقضاها له وقال له إذا كان لك حاجة فأتنا فرجع الرجل بعد ذلك إلى عثمان بن حنيف وقال له : والله ماكان يقضي لي حاجتي حتى كلمته فيا فقال عثمان بن حنيف : والله ماكلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل ضرير فشكا له ذهاب بصره فقال له أوتصبر؟ فقال : لا ليس لي قائد يقودني فقال له إيت الميضأة وذكر له باقي الحديث
• قال الطبراني : لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة وهو الذي يحدث عنه أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة والحديث صحيح
رد الشبهة :
قال الشيخ الألباني : لا شك في صحة الحديث وإنما البحث الآن في هذه القصة التي تفرد بها شبيب بن سعيد كما قال الطبراني ...
وخلاصة القول في هذه القصة أنها ضعيفة منكرة لثلاثة أسباب :
السبب الأول : ضعف المتفرد بها وهو شبيب بن سعيد ، قال ابن عدي في [الكامل] والذهبي [في ميزان الإعتدال ج٢ ص٢٤٢] : كان شبيب بن سعيد لعله يغلط ويهم إذا حدث بحفظه وأرجو ألا يتعمد فإذا حدث عنه ابنه أحمد بأحاديث يونس كأنه شبيب آخر (أي يجود) وهذا الكلام يفيد بأن شبيب لا بأس بحديثه ولكن بشرطين : أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه وأن يكون من رواية شبيب عن يونس بن يزيد لأن شبيب كان عنده كتب يونس [الجرح والتعديل ١/٢/ ٣٥٩ لابن أبي حاتم]
فإذا حدث من كتبه أجاد وإذا حدث من حفظه وَهِمَ كما قال ابن عدي
وقد ذكر ذلك الذهبي عليه رحمة الله أيضا في [ميزان الإعتدال ج٢ صفحة ٢٤٢] وقال الذهبي له نسخ عن يونس مستقيمة
وأيضا قال عنه الحافظ ابن حجر : شبيب بن سعيد التميمي الحَبطي .. لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه لا من رواية ابن وهب [التقريب ٢٠٥]
السبب الثاني : الإختلاف على أحمد فيها فقد أخرج الحديث ابن السني في [عمل اليوم والليلة ٣٠٢] وكذا الحاكم في [المستدرك ١/ ٥٢٦] من ثلاثة طرق عن أحمد بن شبيب لكن بدون هذه القصة - أي أن الحاكم وابن السني رويا الحديث ولكن بدون هذه الزيادة وهذا مانصه ابن السني : باب مايقول لمن ذهب بصره : أخبرني أبوعروبة قال حدثني العباس بن الفرض الرياشي والحسن بن يحي الرَّزي قال حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد ثنا (أي حدثنا) أبي (يعني شبيب بن سعيد) عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي (وهو المدني) عن أبي أمامة سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء إليه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره .. إلى أن قال : حتى دخل الرجل كأنه لم يكن ضريرا قط انتهى ولم يذكر هذه القصة ؛ وكذلك وردت هذه الرواية عن ابن السني من طريق أحمد بن شبيب لكن بدون القصة مع ضعف الرواية نفسها لأنها ليست عن طريق يونس برواية عون بن عمار البصري وهذا ضعيف ومع هذا الضعف لم يروي هذه القصة في الحديث الذي رواه
السبب الثالث : مخالفته للثقات الذين لم يذكروا القصة في الحديث لأن الحديث رواه أيضا عون بن عمار البصري حدثنا روح بن القاسم به وأخرجه الحاكم وعون هذا وإن كان ضعيفا عند المحدثين فروايته أولى من رواية شبيب لموافقته لرواية شعبة عن حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في [قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص ١٥٩]. . بل هي من رواية محمد بن إسحاق وهذا مدلس والمدلس إذا عنعن في الحديث لا يقبل وقد قال الذهبي في ميزان الإعتدال : محمد بن إسحاق مدلس
* وأي سبب من هذه الأسباب الثلاثة يكفي لتضعيف الحديث

● شبهة تصحيح الطبراني للزيادة :
قالوا أن الطبراني عليه رحمة الله قال إن هذا الحديث صحيح
رد الشبهة :
الإمام الطبراني صحح الحديث فقط دون القصة ولم يصحح الزيادة التي هي في القصة المذكورة بدليل قوله : فقد روى الحديث شعبة .. والحديث صحيح ، فهذا نص على أنه أراد حديث شعبة وشعبة لم يروي هذه القصة فلم يصححها إذا الطبراني فلا حجة لهم في كلامه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدة جليلة ص ١٥٩ : فهذه الزيادة فيها عدة علل :
١- إنفرد هذا بها عمن هو أكبر وأحفظ منه - أي أن الراوي تفرد بها عمن هو أكبر وأحفظ منه
٢- وإعراض أهل السنة عنها
٣- وإضطراب لفظها
٤- وان راويها عرف له عن روح أحاديث منكرة ، ومثل هذا يقتضي حصول الريب والشك في كونها ثابتةً فلا حجة فيها ؛ وقال في صفحة ١٦٤ : وإن كان كذلك فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي بعد موته من غير أن يكون النبي داعيا له ولا شافعا فيه فقد علمنا أن عمر بن الخطاب وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعا بعد موته صلى الله عليه وسلم كما كان يشرع في حياته بل كانوا في الإستسقاء في حياته يتوسلون به (أي بدعاءه) فلما مات لم يتوسلوا به بل قال عمر في دعاءه المشهور الصحيح الثابت بإتفاق أهل العلم وبإجماع المهاجرين والأنصار في عام الرماد المشهور لما اشتد بهم الجدب قال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقنا والآن نتوسل بعم نبينا وهذا دعاء أقره جميع الصحابة ودعا به معاوية في خلافته لما استسقى بالناس فلو كان توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته جائزا كتوسلهم بحياته لقالوا كيف نتوسل بمثل العباس .. كان مافعله عمر بن الخطاب هو الموافق للسنة وكان المخالف لعمر محجوبا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحديث الذي رواه الأعمى حجة عليه وليس له والله أعلم
● ملاحظة : قال الإمام الألباني عليه رحمة الله :
وهنا ملاحظة : لأن الرجل الأعمى كان يمشي لعثمان بن عفان وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا يقضي له حاجته !! وبالطبع هذا لايتفق مع ماصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة كانت تستحي من عثمان ومع ماعرف به عثمان رضي الله عنه من رفقة بالرعية وبره ولينه معهم وخوفه من الله وهذا كله يجعلنا نستبعد وقوع ذلك منه رضي الله عنه