الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

الفاروق عمر بن الخطاب :
إن الرجل الثاني في الإسلام على الإطلاق بعظ أبي بكر هو أبوحفص الفاروق عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزى بن رباح بن عبدالله بن قُرُط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر العدوي القرشي يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي وأمه خنتمة بنت هِشام بن المغيرة المخزومية وهي أخت أبوجهل فأبوجهل هو خال عمر بن الخطاب واسمه عمر بن هشام بن المغيرة المخزومي
زوجاته :
تزوج زينب بنت مظعون وهي أخت عثمان بن مظعون الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول "أخي عثمان بن مظعون" وهو دفن في المدينة بالبقيع وأنزله النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبره . زينب هذه وَلَدَت له حفصة وعبدالرحمن وعبدالله . ثم تزوج مُلَيْكَة بنت جروَن وهذه وَلَدَت له عبيد الله وزيد وقيل أنه فارقها ثم تزوج بأم الحكيم بنت الحارث ابن هشام وأنجبت له فاطمة وتزوج جميلة بنت ثابتة بنت أبي الأقلح الأوسية من الأنصار وهي أخت عاصم بن ثابت الصحابي المشهور الذي قُتِل على ماء الرجيع في السنة الثالثة من الهجرة وتزوج بعاتكة بنت زيد ابن نفيل وزيد بن نفيل عمه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميه بمسلم الجاهلية الذي كان قد مات في الجاهلية على التوحيد ولم يعبد صنما وكان يقول : أسلمتُ وجهي للذي أسلمت له المُزنُ تحمل عذبا ذلالا أسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخرا ثقالا فلما دحاها على الأرض أرسى عليها الجبال . وزيد بن نفيل ولده سعيد بن زيد بن نفيل عاشر المبشرين بالجنة وهو الذي يغيب على كثير من الناس وأخته عاتكة وهو سعيد بن زيد بن نفيل كان متزوج بفاطمة بنت الخطاب وهو الذي أسلم على يديه عمر أسلم عمر في السنة السادسة من البعثة النبوية كان ترتيبه يوم أن أسلم رقم ٤٠ وترتيبه في الأمة إلى يوم الدين رقم ٢ . أسلم عمر متأخرا وكان له من العمر ٢٧ سنة على يد ابن عمه الذي يسميه العرب ختن (أي نسيبه) وهو زوج أخته فاطمة بنت الخطاب وكان خباب بن الأرَت يقرؤهما القران في البيت فجاء عمر بعد أن عَرَفَ أنهم قد أسلموا يريد معاقبتهما وقرأ في الصحيفة سورة طه وأثرت في نفسه وأسلم . وتزوج عمر بن الخطاب أيضا إمرأة تسمى قريبة بنت أبي أمية وقيل أنها لم تنجب له وطلقها وتزوجها عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق وتزوج أخيرا بأم كلثوم بنت علي ابن أبي طالب وكان جملة ماتزوج من النساء ٧
مناقبه وفضائله :
أكثر من أن تحصى يقول عبدالله بن مسعود : كان إسلامه فتحا وهجرته نصرا وإمرته رحمة . معاوية بن أبي سفيان يصف الحكم يقول : أما أبوبكر فلم يرد الدنيا ولم ترده وأما عمر فقد أرادته الدنيا ولم يردها وأما نحن فتمرغنا فيها بطنا عن ظهر . وأكثر مايميز عمر بن الخطاب في حكمه : التقشف والزهد ليس عن قلة حتى قال ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة عمر : أول من مصر الأمصار (أي شيد المدن في الصحاري مثل الكوفة والبصرة) وأول من جند الأجناد (أي أنشأ الشرطة والجيش والقوات المسلحة) وأول من أرخ التاريخ وأول من فتح الشام كالأردن وغزة وعسقلان والرملة وفلسطين وبيت المقدس والعراق كانت تحت الفرس حتى وصل إلى القادسية ومابعدها وفتح مصر والإسكندرية . قال النبي صلى الله عليه وسلم : "رأيت فيما يرى النائم قمص فمنهم من قميصه إلى ثدييهةومنهم من قميصه إلى أقل من ذلك ورأيت عمر بن الخطاب يلبس قميصا يجره بالأرض جرا" قيل بم أولته يارسول الله ؟ قال بالدين . وكان عالما وله من الأقوال والكلمات المأثورة مايصلح أن تكون للناس مدرسة . وقال صلى الله عليه وسلم : "رأيت فيما يرى النائم أني أدخلت الجنة فرأيت فيها الرميساء زوج أبي طلحة وسمعت جيف على بلال ورأيت قصرا على بابه جارية تتوضأ فسألت لمن القصر ؟ فقيل لرجل من قريش اسمه عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم كدت أن أدخل القصر ولكني ذكرت غيرة عمر فتركته" فقال عمر : أومنك أغار يارسول الله؟! - وجعل يبكي . قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة فجاء عمر بن الخطاب فانخنس النسوة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر : أضحك الله سنك يارسول الله دخلت عليك فضحكت ؟ قال : "هؤلاء النسوة يهبنك ولا يهابونني" فقال عمر : قاتلكن الله تهبنني ولا تهبن رسول الله ؟ فقلن له : أنت فض وغليظ فقال صلى الله عليه وسلم : "إيها يابن الخطاب ماسلكت فجا إلا وسلك الشيطان فجا غيرك" . وقيل لعمر : إن الناس يهابونك قال : الحمد لله الذي ملأ قلبي لهم رحمة وملأ قلوبهم عليَّ رهبة . وعمر بن الخطاب هو أول من ضرب بالدرة وأول من جلد السكران في الخمر ثمانين جلدة وأول من جمع الناس على التراويح بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن خصائصة ومميزاته : إذا ذكر العدل ذكر عمر وأنه جاء في زمن الفتوحات وفي زمن الأموال التي تأتيه من كل مكان كان يتابع حكامه وولاته وكان شديدا على نفسه كان يأكل الخبز الجاف بالزيت وبطنه تقرقر في أيام المجاعة يقول لها : قرقري أو لا تقرقري فوالله لن تطعمي من السمن حتى يشبع منه آخر طفل من المسلمين حتى دخل عليه أبوحفص ابن أبي عاصم ووجده يأكل فدعاه عمر إلى الطعام فقال له معتذرا وقد أبي فقال له عمر : أصائم ؟ قال : لا ولكن معدتي لا تحتمل مثل هذا الطعام الخشن فقال له عمر : يمكن أن آمر بالشاة فتذبح ثم يزال عنها الشعر وتسلخ ثم توضع على الزيت كما هي وتحشى وتلطخ بالعجين قال : والله ياأمير المؤمنين إنك لخبير بجيد الطعام قال عمر : خبير بجيد الطعام أكثر من آكليه آكليه لكنه تركه ليوم تزهل فيه كل مرضعة عما أرضعت . وحتى أنه وجد جابر بن عبدالله في سوق المدينة يحمل لحما قال له عمر : ماهذا ياجابر؟ قال جابر : هذا مااشتهيت فاشتريت وفي رواية : هذا ماقرمته (والقرمان هو الذي يريد الشيء ويشتهيه بقوة) قال : أَوَكل مااشتهيت فاشتريت ألا تخاف أن يقال لك أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنياىواستمتعتم بها ؟ . وهو الذي قال مقولته المشهورة في العدل : لو عثرت بغلة بالعراق لسئل عنها عمر يوم القيامة لِمَ لَمْ تسوِّ لها الطريق . وكان يرى أنه ليس للحاكم أو الوالي أن يستفيد من أموال الرعية شيء إلا الكفاف .. يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لي ثمن الحلوى فأشريها .. مازاد عن قوتنا فالمسلمون به أولى فقومي إلى بيت المال رديها ..!! ، ولما كان وليه على خراسان عبدالله بن قُرُط أرسل إليه حلوى من أذربيجان سأل الذي جاء بالحلوى أكل الناس يأكلون الحلوى ؟ قال : لا . فقام بلفها وقال إرجع بها وقل لعبدالله اتق الله ولا تشبع من الحلوى حتى يشبع منها آخر فقير من المسلمين . كان عمر بن الخطاب مدرسة وأن الصحابة اصطفاهم الله اصطفاءا حتى ان أحد التابعين قال لحزيفة بن اليمان بن ختل : ياحزيفة لو أدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تركناه يمشي على الأرض بأقدامه قال : ياهذا لا تتمنوا مافضل الله به بعضكم على بعض أدرك بعض الناس رسول الله فكفروا به وقاتلوه وبعضهم كان منافقا وحكى له حزيفة قصة يوم الخندق . ومما يؤثر عن عمر بن الخطاب ومن عجائب مايروى عنه : أن واليه بحمص أصلح داره وغير الباب فأرسل إليه عمر بن الخطاب أنئتنا فجاءه الرجل ويجلس ثلاثة أيام وعمر بن الخطاب في مكتبه بالخارج حتى النهار ثم يقول لا أريد أن أقابله وفي اليوم الرابع قال : فليقابلني عند الحرة (محل إبل الصدقة) فلما جاءه أعطاه عصى ثم قال له : خذ هذه العصا خير من التي كان يحملها أبوك وارعى هذه الإبل فرعاها ثلاثة أيام !!! ثم دعاه فقال له : لم أرسلك لتبني المباني ولتغير الأبواب إنما أرسلتك لتقيم في الناس الصلاة وتعلمهم الدين وتكف الفقير منهم إرجع ولا تعد لمثل مافعلت ثانية . وكان شديدا على أهل بيته كما حكى الذهبي في سير أعلام النبلاء إن عمر وجد بنتا هزيلة قال : بنت من هذه ؟ قالوا : هذه بنت عبدالله بن عمر بن الخطاب ! قال : بنتي ؟! ومالها هزيلة ؟! قالوا : الطعام لا يكفيها ! قال ياعبدالله إنما أعطيكم مايُحِلُّ لنا أتريدني أن آخذ من بيتُ المال شيئا وأكون خائنا ؟! . ومن العجائب ان عبدالله بن عمر كانت له إبل يَتَّجرُ فيها ثم جاء عمر فوجد الإبل في المرعى قال : إبل من هذه ؟ قالوا : إبل عبدالله بن عمر بن الخطاب قال : خذوها إلى بيت المال !!! فجاء عبدالله يبكي يقول : هذا من حرِّ مالي ليس لك فيه شيء وليس لبيت المال شيء قال عمر : إنما يقال إبل ابن أمير المؤمنين يوسع لها فتأكل من المرعى على إسمي فدخل أبوموسى الأشعري وجعل يتفاوض مع عمر بن الخطاب وهو يتأبَّى حتى اتفقوا على أن يبيعوا الإبل بحيث يكون رأس المال إلى عبدالله بن عمر والربح مناصفة بين عبدالله بن عمر وبين بيت مال المسلمين ! ، عرف عمر بخشيته الشديدة لله سبحانه وتعالى ومما يحكى في ذلك أن إعرابيا جاءه وقال له ياعمر الخير جزيت الجنة .. أكس بنياتي وأمهن .. وكلنا من الزمان جنة .. أقسمت بالله لتفعلن قال إن لم أفعل يكون ماذا ؟ قال : إذا أبا أباحفص لأذهبن قال تذهب يكون ماذا ؟ قال : عنهن يوم القيامة تسألن ..يوم يكون الأعطيات هن .. إما إلى نار وإما جنة .. فبكى عمرحتى أخضل لحيته وخلع رداءه وقال : والله لا أملك غيره أعطوه الرداء ليس لشعره ولكن للجنة والنار التي ذكر . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : رأيت في منتصف النهار رجل قد تلحف بملحفة على وجهه فذهبت ألتمسه فإذا هو عمر بن الخطاب قلت : ياأمير المؤمنين مالك ؟! قال : إبل من الصدقة ندَّت (أي هربت أو فرت) أنا في طلبها قلت : عبد من عبيد الصدقة يكفيك ؟ قال : هل يوجد أعبد لله من عمر ؟! فقال له علي بن أبي طالب : أتعبت الذين جاءوا من بعدك . خرج عمر في المدينة يجول باليل فسمع طفلا يبكي في خباء فجاءه من خلف الخباء يقول : يا أم هذا الصبي أسكتيه تقول سأسكته والولد يبكيةفقال لها عمر : أم سوء قالت : ماذا أفعل لعمر بن الخطاب لا يفرض لأبناءنا إلا إذا فطموا - وكان معه عبدالرحمن بن عوف قال : رجعنا وهو يبكي والله صلى بنا الفجر ونحن لا نستبين قراءته وكان في خده خطان أسودان من كثرة البكاء وقال عمر : وابؤسا لعمر كم قتل من أبناء المسلمين ثم أصدر القرار الذي يقول أن كل مولود في الإسلام يكتب له من بيت مال المسلمين شيء وكان لا يعطي إلا للذي فطن ، في مرة ساعد إمرأة عجوز في الصحراء ففرحت منه وقالت له : لأن أحق بالخلافة من عمر !! . خرج في الخلاء ذات يوم فوجد إمرأة تلد وفي المخاض ومعها زوجها لا يعرف ماذا يفعل فجرى عمر مسرعا في منتصف الليل إلى زوجته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب يقول لها : لك في أجر وفي ثواب في الآخرة ؟ تقول نعم فحمل الدقيق على كتفه وذهب وأنزل الدقيق بالقرب من الخيمة فأخذته أم كلثوم وإذا بها تمارض المرأة حتى وضعت والرجل جالس مع عمر في الأرض على الرمضاء وهو يشكر لعمر بن الخطاب فإذا بالطفل يصرخ وأم كلثوم تقول بشر صاحبك بغلام ياأمير المؤمنين فوقف الرجل على طوله !! - أي اندهش لأنه لم يكن يعلم بأنه أمير المؤمنين - فقال له عمر : لا عليك تعال غدا نعطك من بيت مال المسلمين لك ولوليدك ولإمرأتك شيئا ، قال عبدالله بن عامر بن أبي ربيعة : حججت مع عمر بن الخطاب فوالله ماضرب له فسطاط (أي لم يعملوا له خيمة ونحوها) والله لا ينزل إلا تحت الأشجار ويأتي برداء يضعه ينام تحته حتى رجعنا قال لي : ياعبدالله كم النفقة ؟ قلتة١٥ دينارا قال : لقد أسرفنا ! . قال أنس بن مالك رضي الله عنه : والله لقد رأيت على كتف عمر أربعة رقع ! (فقط على كتفه وليس لأنه فقير لا يملك فقد جرى في يده مال الدنيا كلها وماكان يأخذ من المال شيء) .. ورعى صاحب كسرى أن رأى عمرا بين الرعية عصرا وهو راعيها .. ينام تحت ظل الدوح مشتملا ببردة كاد طول الدهر يبليها .. فقال قولة حق أصبحت مثلا وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها .. أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها ..
وكان لعمر بن الخطاب كرامات منها كرامة سارية لما قال له ياسارية الجبل وسارية اسمه سارية بن زميم الديلي رضي الله عنه ولقد أرسله عمر لفتح منطقتين في بلاد فارس منطقة فسى وزاباجرت وذهب يفتحها بعد أن تم الفتح أرسل سارية بن زميم نجابا فجاء النجاب بعد شهرين وبشر الناس بأنهم قد فتح لهم ثم قال للناس : أسمعتم عمر في المنبر يذكر الجبل قالوا : نعم قال : والله لقد كنا في بلاد فارس ونحن نقاتل العدو وقد جمع لنا الفرس كل ماعندهم وكان عن يميننا جبل لو أنحزنا إليه لنجونا ولفتح الله على أيدينا فسمعنا صوتا لعمر يقولة: ياسارية الجبل .. ياسارية الجبل فانحزناةإلى الجبل ففتح الله علينا وفي تلك اللحظة احتار الصحابة وبعد الخطبة حاصروه قال ابن عساكر : في بعض الروايات بعضهم إستل سيفه قالوا : أوحيُّ بعد رسول الله؟! قال : إنما كلمة أجراها الله على لساني وهذه هي كرامات الأولياء التي نقر بها ونثبتها
إستشهاده رضي الله عنه :
لما حج عمر بن الخطاب آخر حجة له وفي الحج تعب وأراد أن يقوم في بعض المرات تعب وقام بتعب شديد فقال : اللهم إن رعيتي كثرت وإن سني وهت اللهم فاقبضني إليك وفي صحيح مسلم : اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وميتةً في بلد نبيك قال الحافظ ابن كثير : وهذا عزيز لأن الشهادة مظانها خارج المدينة قائدا لمعركة أو مقاتلا في جيش أما أن يموت شهيدا وداخل المدينة فهذا عزيز ولكن الله لطيف لما يشاء وجمع الله عز وجل له ذلك لأنه خشي أن يقصر في حق الرعية مات وهو في السادسة والخمسين من عمره وستة أشهر وأربعة أيام قتل رضي الله عنه لأربع بقين من ذي الحجة رأى في المنام أن ديكا روميا ينقره ثلاث نقرات وصلى بالناس الفجر وقال : كأن ديكا روميا ينقرني ثلاث نقرات وما أولت ذلك إلا بأن أجلي قد دنا وهو كان يعلم بأنه سيقتل كما في البخاري وقف النبي صلى الله عليه وسلم على جبل أحد ومعه أبوبكر وعمر وعثمان فارتج الجبل فضرب النبي صلى الله عليه وسلم الجبل بقدمه وقال "أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" الذي قتله يسمى فيروز الديلمي وهو غلام المغيرة بن شعبة أبو لؤلؤة المجوسي - وقد تقدم ذكره في قائمة المضلين - وكان نقاشا وحدادا بارعا وفرض عليه المغيرة كل يوم درهمان فجاء يشتكي إلى عمر فقال له عمر : أحسن إلى مولاك وأضمر في نفسه أن يكلم المغيرة في شأنه . قال الذهبي في سير أعلام النبلاء : كان عمر رضي الله عنه قليل الضحك وهذه علامة الجدية وهذا ماأثر على الناس أنهم يقولون : انه إذا تكلم أسمع وإذا مشى أسرع وإذا ضرب أوجع وهذا لأنه كان جادا غير أنه كان رحيما ورفيقا بالناس يحكى أنه صعد المنبر وذم نفسه أمام الناس فقال : لقد رأيتموني في مكة وأنا أرعى غنم خالات لي نظير قراقيط(قراريط) من شعير أو خبز فقال له عبدالرحمن بن عوف : يا أمير المؤمنين ماالذي يحملك على هذا قال : حدثتني نفسي بأني أميرا للمؤمنين فأردت أن أعرفها قدرها ، عرف بطول القيام وعرف بأنه كان لا يتخذ لنفسه حرصا فلما كلم غلام المغيرة لم يرض فجاءه عشية يوم الثلاثاء وقد قتل صبيحة الأربعاء فمازحه عمر وقال له : سمعت أنك تصنع للناس الرحى في الهوى فقال له : لأصنعن لك رحى يتكلم عنها أهل المشرق والمغرب فقال عمر : كأنه يتوعدني - وهنا يتساءل أهل السير : لماذا لم يقبض عليه ؟ فقالوا : لأنه ماأراد أن يقبض عليه بغير بينة - وأراد قدر الله عز وجل إذا جاء أن يحجب عن الإنسان كل شيء من المحاذير فجاءه في صلاة الفجر فجر الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة في سنة ١٣ من الهجرة جاءه وقد كبر للصلاة وكبر الناس معه فطعنه ثلاث طعنات بخنجر له لسانان حتى سقط عمر رضي الله عنه لما ضربه تحت السرة وأتم للناس الصلاة عبدالرحمن بن عوف وطعن ثلاثة عشر آخرين مات منهم ستة ولم يقدر عليه إلا عبدالله بن عوف رضي الله عنه كان يرتدي عباءة فألقى عليه العباءة في وجهه فطعن نفسه ومات منتحرا لعنه الله ثم أخذ عمر رضي الله عنه إلى البيت وهو ينزف دما وكان في غيبوبة وأول ماأفاق قال : الصلاة فقد صلى الفجر قبل أن يخرج وقتها ثم قال مقولته المشهورة : الصلاة ألا أنه لا حظ لرجل في الإسلام بغيرها ثم أنه فتح عينيه بعد أن صلى وقال : من الذي طعنني ؟ فقيل : غلام المغيرة فيروز المجوسي فقال : الحمد لله الذي جعل قتلي على يد رجل لا يشهد لله بشهادة ولم يسجد لله سجدة ثم أتي إليه بلبن فشرب اللبن فخرج اللبن من جرحه فعلم أنه سيموت لكنه رجل المهمات الصعبة فدعا عبدالله بن عمر وجعل يبكي فجاءه الناس وقالوا : يا أمير المؤمنين فتح الله على يديك وفعلت وفعلت وفعلت قال : ودِدت لو أني لقيت الله كفافا لا لي ولا عليَّ فنجوت قال له الناس : ماذا تريد أن تفعل يا أمير المؤمنين ؟ قال : أريد أن أوصي لكم حتى لا تختلفوا قالوا : أوصي إلى ابنك عبدالله رجل صالح قال : يكفي أن يحاسب بها رجل من آل الخطاب واحد فدعا وجعل الأمر في الستة الذين مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض قال محمد سيد حاج رحمخ الله وتجاوز عنه : >>لكن الذي أعجب له عقله وفكره وحسه ميكافلي لما كتب كتابه الأمير تحدث عن عظماء التاريخ وضع النبي صلى الله عليه وسلم في المقدمة ووضع المسيح في المقدمة ووضع بعض الفلاسفة والمؤثرين في المقدمة ووضع عمر بن الخطاب رقم أربعين في تاريخ الإنسانية الذين أثروا على مجرى التاريخ الإنساني ونحن لا نرضى ولكن عمر بن الخطاب هو من هو<< فدعا عمر بن الخطاب الستة الذين مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم قال : الأمر عندكم ولكن إذا اختلفتم فالأمر إلى عبدالرحمن بن عوف دون أن يكون أميرا (فهو الذي يختار) ودعا خمسون رجلا بسيوفهم قال لهم : إن مت فلا تدعوا هؤلاء يبرحوا مكانهم حتى يتفقوا ، وجاءه شاب ودخل عليه فنظر رضي الله عنه إلى الشاب فلما مضى ناداه وكان الشاب يجر ثوبه قال : ياهذا إرفع إزارك فإنه أنقى لثوبك وأطهر لقلبك وأتقى لربك قال أهل السير : أبا أمير المؤمنين إلا أن ينصح وهو في سكرات الموت ثم خرج من عنده الشاب ولما إشتد عليه الكرب نادى على ولده عبدالله بن عمر وقال مقولة مؤثرة جدا قال : ياعبدالله خذ رأسي من الوسادة وضعها في التراب لعل الله ينظر إلي ويرحمني فوضع وجهه في التراب ومرغ وجهه في التراب يسأل الله أن يخفف عليه حتى قبضه الله تعالى وكان لعمر بن الخطاب خاتم نقشه "كفى بالموت واعظا ياعمر" وكان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم نقشه "محمد رسول الله" . دفن في أول محرم وتم إختيار عثمان في الثالث أو الرابع من محرم سنة ١٤ من الهجرة وبذلك طوى التاريخ قصة بطل من أبطال الإسلام وخليفة من خلفاء المسلمين وإمام من أئمة العدل والدين إلى يوم القيامة معلما للبشرية وأستاذا للإنسانية ونبراسا للمسلمين وقدوة لنا أجمعين إن شاء الله تبارك وتعالى